الجمعة، 21 ديسمبر 2018

عنترة بن شداد

عنترة بن شداد  

عنترة بن شداد هو ذلك العربي الذي وصلت سيرته إلى حدِّ الأساطير، فتشابهت ملحمته بملاحم الشعر الإغريقية، ذلك العربي الذي قاتل الظروف المعاكسة لما يريد، حتى نحت اسماً يتداوله العرب في كل زمان ومكان، فهو أحد الفرسان والشعراء الذين جمعوا القوة، والشجاعة، والبسالة، والفخر، ورمز الفروسية، تلك الصفات التي لطالما تغنّى بها العرب، كان عنترة بن شداد مضربَ الأمثال، فلم يوجد في عصره من يُشبهه، فقد جمع صفات من النادر أن تجتمع في شخص واحد، وممّا زاد من إعجاب الناس بسيرته ما واجهه من ظلم، وتمييز بسبب لونه، وكذلك قصّة حبه لعبلة، وما كان فيها من المعاناة، والحرمان.[١]

نسبه ونشأته


 هو عنترة بن عمرو بن شدّاد بن عمرو بن قراد بن مخزوم بن عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض، حيث يُقال إنّ شدّاد هو جدّه، وقد غلب على اسم أبيه عمرو، فنُسب إليه، وقيل أيضاً إنّ شدّاد هو عمّه، وقد نشأ في بيته، فلذلك نُسب إليه دون أبيه، وهو ابن أمة سوداء، يُقال لها زبيبة، فلم يعترف به أبوه حتى كبر، حيث كان العرب إذا كان لهم ابن من أمة استعبدوه، فقد كان كذلك لعنترة إخوة له من أمّه، وقد كانوا عبيداً أيضاً،[٢]يُعتقد أنّ ولادة الفارس والشاعر عنترة بن شدّاد كانت في حدود عام خمسمئة وثلاثين ميلادي، وذلك عائد إلى أنّ الغالب عند المؤرخين أنّ حرب داحس والغبراء كانت نهايتها قبل الإسلام بقليل، أي ما يقارب من عام ستمئة للميلاد، واستمرّت أربعين سنةً، وقد شارك فيها عنتر بن شدّاد منذ بدايتها حتى نهايتها، وهذا يتناسب مع عدّة نصوص ذكرت التقاء عنترة مع عمرو بن معد، وكذلك معاصرته العديد من الشعراء، ومنهم عروة بن الورد في ذلك الوقت، أمّا لكيفية حصول عنترة على حُرّيته فهناك العديد من الروايات بيد أنّ أكثرها شيوعاً هي عندما أغار بعض أحياء العرب على قوم من قبيلة عبس، فلحقهم العبسيون، فقاتلوهم ومنهم عنترة، فكان يقول له أبوه كرَّ يا عنترة، فرد عليه العبد لا يُحسن الكرّ، إنّما يُحسن الحلاب والصر، فقال له أبوه كرّ، وأنت حرّ، وألحقه في نسبه بعد ذلك، بيد أن المعلوم والثابت بأنّ عنترة نال حريته بعد معاناة وجهد وتضحيات.[٣]


صفات عنترة بن شداد وفروسيته


 لا شكَّ أنّ عنترة بن شدّاد أحد أشهر فرسان العرب في العصر الجاهلي، كما يُعتبر من شُعراء الطبقة الأولى، يعود سواد جسده إلى أمّه التي كانت من الحبشة، يُعرف عن عنترة أنّه من أكثر العرب عزّة نفس، كما اتصف بالحلم على الرغم ممّا عُلم عنه من شدّة البطش، يمتاز الشعر عنده بالرقّة، والعذوبة، ذلك الشعر الذي يكاد لا يخلو من ذكر حبيبته وابنة عمّه عبلة،[٤]كما تميّز عنترة بالشجاعة والبأس، وظهر ذلك جليّاً في حروب داحس والغبراء، حيث قتل فيها معاوية بن نزال من تميم في معركة الفروق، كما برزت شجاعته في واقعة ذات الجراجر مع قبيلة ذبيان وحلفائها، ومما يُذكر عنه فرار قومه عبس في مواجهة بني سليم، بعد قتال استمر يومين، لكنّ عنترة بقي وحيداً يدافع عن النساء، حتى عاد قومه من جديد فكانت الغلبة لهم، ومن الأخبار المعلومة عن عنترة أنّه سُئل: أنت أشجع الناس وأشدّها فقال: لا فقيل: فبم إذن شاع لك هذا في الناس، قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزماً، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً، ولا أدخل موضعاً لا أرى لي منه مخرجاً، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع، فأثني عليه فأقتله.[٣]

حُب عنترة لعبلة 


كان عنترة عبداً ولم يتحرّر، بيد أنّ ذلك لم يمنعه من الاهتمام بابنة عمّه عبلة، بل كان يحمل لها في قلبه الحب، ذلك الحب الذي سيُخلّد في تاريخ العرب، أسرّ عنترة لأخيه بحبّه لها، والذي ما توانى في نصيحته بأن يبتعدَ عنها، إلّا أنّه استمرّ بحبها، وواجه من أجل الظفر بها الكثير بعد تحرره،[٥]فعلى الرغم من المعارك الكثيرة التي خاضها عنترة، إلّا أنّ معركته من أجل عبلة قد تكون أكبرَ وأشرسَ المعارك، حيث تآمر عليه أخو عبلة، وزوج أختها، إلّا أنّ إصراره، وعشقه لها جعل كلّ محاولاتهم تنتهي بالفشل،[٦]لم تنته الأمور هنا، بل واجهه والدها بأن طلب منه مهراً لعبلةَ ألفاً من النوق العصافير، وكان الجميع يعلم أنّ هذا الشرط يستحيل على عنترة تحقيقه، فهذا النوع من النّوق لا يتواجد إلّا عند النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وكذلك كان حبه لعبلة أعظم من هذا الشرط المجحف، فما كان منه إلّا أن ذهبَ بمغامرة إلى العراق حيث قام بسرقة النّوق، إلّا أنّه أُصيب من الحرّاس، وقُبض عليه، وسُجن إلى أن سمع النعمان بقصّته، وشجاعته، فعفى عنه وأهداه ألفاً من النوق العصافير، فعاد بها إلى عبلة، وتزوجها بعد مواجهات كثيرة خاضها مع خصومه.[٥]


وفاة عنترة وشعره


 اختلفت الروايات عن حياة عنترة بن شداد، فقد اختلفت كذلك في وفاته، فقد قيل إنّه مات بعد أن هاجت رائحة من صيف نافحة وهو خارج فأصابته، وتوفي حيث كان شيخاً كبيرَ العمر وعاجزاً، فيما قالت رواية أخرى إنّه أغار على طيء مع قبيلته، وقد كان شيخاً، فانهزمت عبس، وسقط عن فرسه، ولم يستطع امتطاءها مرة أخرى، لعجزه، فرآه رجل قيل إنّ اسمه الأسد الرهيص، وخاف أن يأسره، فرماه وقتله، وقد تميّز شعر عنترة بن شداد باحتوائه على البطولات، ووصف ساحات القتال، وذكر الشجاعة، كما ربط بين فكرتي البطولة والحب، بالإضافة إلى الأخلاق الكريمة، والصفات الحميدة كالعفّة في الحروب، وتعاليه عن الغنائم، أمّا ما قال من الشعر في الحب فقد كان ظاهراً به الغزل العذري الذي يخلو من وصف الجسد، وهذا أمر طبيعي مرتبط بشخصية عنترة، والتي تميّزت بحسن الخلق،[٣]بيد أنّ أكثر ما عُرف من شعر عنترة بن شداد هي معلّقته الشهيرة والتي تقول في بدايتها:

[٧] هل غادر الشعراء من متردّم
 أم هل عرفت الدار بعد توهّم 
يا دار عبلة بالجواء تكلّمي 
وعمي صباحا دار عبلة واسلمي 
ولقد خشيت بأن أموت 
ولم تدر للحرب دائرة على ابني
 ضمضم الشاتمي عرضي ولم أشتمهما
 والنّاذرين إذا لم القهما دمي 
إن يفعلا فلقد تركت أباهما 
جزر السّباع وكلّ نسر قشعم
 لمّا رآني قد نزلت
 أريده أبدى نواجذه لغير تبسّم



المراجع 



  1. ↑ محمد الجويلي (16-5-2016)، "عنترة بن شداد.. استحضار مستمر لسيرة شعبية من المخيلة العربية"، alarab.co.uk، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2018. بتصرّف.

  2.  ↑ ابن قتيبة الدينوري (1423 هـ)، الشعر والشعراء، القاهرة: دار الحديث، صفحة 243، جزء 1. بتصرّف. ^ أ ب ت أبو عبدالله الزَّوْزَني (2002)، شرح المعلقات السبع (الطبعة الأولى)، بيروت: دار احياء التراث العربي، صفحة 239-244. بتصرّف. 

  3. ↑ الموسوعة الشعرية، معجم الشعراء العرب، صفحة 826. بتصرّف. ^ أ ب حسين علي محمد (1425ه)، التحرير الأدبي (الطبعة الخامسة)، السعودية: مكتبة العبيكان، صفحة 302-304. بتصرّف. 

  4. ↑ "معلومات لا تعرفها عن الوجه الآخر لـ«عنترة بن شداد» الذي خان «عبلة» مع 30 امرأة"، maktaba-amma.com، 23-12-2016، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2018. بتصرّف. 

  5. ↑ ابن عبد ربه الأندلسي (1404 ه)، العقد الفريد (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 20، جزء 7. بتصرّف.



امرؤ القيس

امرؤ القيس  


يعتبرُ امرؤ القيس من الشعراء الجاهليّين العرب الأفذاذ، الذين ذاع صيتهم وانتشر، وهو من شعراء المعلّقات المشهورة، وقد لُقّب بالعديد من الألقاب التي منها ذو القروح، وحندج، والملك الضليل، ومعلّقته المعروفة قفا نبكِ من أجمل القصائد العربيّة، ويعتبر بذلك رأس الشعراء العرب، وقد وقف على دراسة حياته وشعره الكثير من النقّاد واللغويّين العرب، وحلّلوا قصائده تحليلاً تفصيليّاً أظهروا ما تُخفيه من معانٍ وجمال، وسنعرضُ فيما يلي جزءاً من حياته، ونشأته، وبعضاً من شعره، وسبب وفاته.

حياة امرئ القيس 


ولد ونشأ في منطقة بطن عاقل في نجد، نشأ حياته في الترف واللهو، شأنه في ذلك شأن أولاد الملوك، وقد كان يفحشُ في غزله، وفي سرد قصصه الغراميّة، وسلك في شعره مسلكاً قد خالف فيه تقاليد البيئة، ويُعتبر من الشعراء الذين دخلوا بشعرهم إلى مخادع النساء، وكثيراً ما كان يتسكّع مع صعاليك العرب معاقراً للخمر، وبذلك فقد التزم نمطَ حياة لم يرضَ عنها والده، فقام بطرده وإرجاعه إلى أعمامه وبني قومه في حضرموت مُتأمّلاً في تغييره، ولكنه استمرّ في مجونه، واستدام بمرافقة الصعاليك.

وفاة امرئ القيس 


لم يعشْ امرؤ القيس طويلاً، ولكن كثرة ترحاله وتجاربه التي مرَّ بها فاقت أضعاف السنين التي عاشَها، فقد أمضى بدايةَ حياته في الشرب واللهو، ولكن سرعان ما تحوّلت إلى حياة مسؤوليّة أثبت فيها أنه فارسٌ مغوار حين أخذ على نفسه عهداً بالثأر لموت والده، الذي كان سبباً في صقل ملَكَته، وإذكاء وهجها، ومن تلك المرحلة في حياته كَثُر تنقله وترحاله حتّى وصل به المطاف إلى أنقرة، حيثُ حلَّ بجسده التعب وأنهكه المرض حين أصابه الجدريّ الذي كان سبباً في وفاته، وكان ذلك كما يُرجحُه المؤرخون في سنة خمسمائة وأربعين ميلاديّة، ويقع قبره في العاصمة التركيّة أنقرة على تلة هيديرليك.

شعر امرئ القيس


 كان شعر امرئ القيس عفوياً في التعبير عن خطرات قلبه ومعاناته، ينساقُ بأنسام البوادي، وقسوة الفيافي، وكغيره من الشعراء الجاهليين فقد اتسم شعره أيضاً بصدق التعبير، وبساطة الأخيلة والتشبيهات بالرغم من الألفاظ التي نراها غريبة وغير مفهومة، فقد جاءت تلك التشبيهات من البيئة المحيطة به والواقع الذي يعيشه، إلى جانب بساطة ووضوح قصائده بالرغم من تعدّد الموضوعات فيها من فخرٍ، ورثاء، وغزلٍ، كما هو معروف من تقاليد فنيّة عند الشعراء، أمّا لغتُه فتتميّز بالرقة في الغزل والنسيب، وبالفخامة والجزالة في الفخر والمدح.


من شعر امرؤ القيس


 ترى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها 
وقيعانها كأنه حبَّ فلفل

 كأني غَداة َالبَيْنِ يَوْمَ تَحَمَلّوا 
لدى سَمُراتِ الحَيّ ناقِفُ 

حنظلِ وُقوفاً بها صَحْبي 
عَليَّ مَطِيَّهُمْ يقُولون لا تهلكْ أسى ً وتجمّل



أبو الطيب المتنبي

أبو الطيب المتنبي


هو أحد أكثر شعراء العرب شهرة إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق، وهو من الشعراء الذين اكتسبوا أهمية تجاوزت زمانهم ومكانهم، فلم يكن المتنبّي مجردَ شاعرٍ يملك من الفصاحة والبلاغة ما لا يملكه غيره من الشعراء، بل كانَ ذا شخصيةٍ مميزة، يعتز بنفسه ويفخر بها في قصائده ومجالسه. وقد كتب المتنبي شعر الهجاء والمديح والرثاء في السلاطينِ وغيرهم من الشخصيات المهمّة في زمنه. وقد كانَ للمتنبي أثر كبير في الشعرِ العربيّ امتدّ من زمنه إلى يومنا هذا، فلم يكفّ الشعراء عن قراءته، ولم يتوقّف الدّارسون للأدب العربيّ عن شرحه وتحليله ودراسته.

نسب أبي الطيب المتنبي


 هو الشاعر العربيّ أحمد بن الحسين بن مرّة بن عبد الجبّار الجعفيّ الكنديّ الكوفيّ، والده جعفيّ وأمه همدانيّة، ولد في كندة إحدى مناطق الكوفة في العراق سنة ثلاث وثلاثمئة من الهجرة. نشأ المتنبي محباً للعلم والأدب وكان ذلك واضحاً من ملازمته للعلماء في مجالسهم، فكانَ غلاماً يتميز بالذكاء وقوّة الحفظ.[١] وقد نظم أول قصائده وهو في العاشرة من عمره مثأثراً بقصائد الشعراء القدماء وبشعر المعاصرين له، كما كان متأثراً بالشيعة وأخبار القرامطة.

سبب تسميته بالمتنبي 


كانَ أبو الطيب المتنبي شاعراً يفتخر بنفسه أيّما افتخار، حتى نعته الكثيرون بالغرور، وكان يهدف أن يعرفه الناس في كل مكان، فادّعى النبوة في صحراء الشام حتى تبعه بعض من الناس. ولما سمع بذلك سلطان دولة حمص قاتله واعتقله، وبقي المتنبي معتقلاً إلى أن تاب وأُطلق سراحه، ومن هنا أطلق عليه لقب المتنبي.[٣]

حياة أبي الطيب المتنبي 


نشأ الشاعر أبو الطيب في مدينة الكوفة وتعلم في أكثر مدارسها تميّزاً، وهي مدرسة تتبع النظام الشيعيّ. ثم انتقل إلى البادية العربية في سوريا (صحراء السماوة) مع أبيه ليقضي هناك سنتين من عمره كان لهما الأثر الكبير على فصاحته ولغته العربية القوية، التي ظهرت واضحة في أشعاره لاحقاً.[٤] ثم ارتحل عائداً إلى العراق، لكنّه لم يلبث هناك كثيراً لأنّ المدينة لم تكن آمنة له، ذلك أنّه كان متعاطفاً مع القرامطة الذين كانوا يغيرون على بغداد في تلك الفترة، فلم تكن المدينة مستقرّة حينها.[٥] في بداية حياته العملية اتخذ المتنبي من مدح الشخصيات الثرية والمهمة في البادية الشاميّة وبغداد وظيفة يمارسها، وقد تميزت أشعاره في هذه الفترة بطابع موسيقي للأبيات الشعرية، وبكثرة استخدام التعابير المتناقضة، والتركيز على التعابير الموجزة.[٤]


المتنبي وسيف الدولة الحمداني 


كان سيف الدولة الحمداني أميراً وشاعراً وأديباً، أحبّ أن يحيط نفسه بأبرع الشعراء والأدباء في تلك الفترة، وبقي أبو الطيب المتنبي حينئذٍ بجانب أبي العشائر في أنطاكية ويتمنى القرب من سيف الدولة، فقدمه أبو العشائر لسيف الدولة الذي طلب من المتنبي أن يكون شاعراً في رحاب سلطته، فوافق المتنبي على ذلك مشترطاً الحفاظ على فخره بنفسه، فطلب من سيف الدولة ألا يكون كباقي الشعراء يقبلون الأرض بين يديه، وألا يلقي الشعر واقفاً مثلهم، ووافق سيف الدولة على ذلك. وكانت العلاقة بين سيف الدولة والمتنبي علاقةً قوية، فكانا أشبه ما يكونان بصديقين، وكان سيف الدولة سخيّاً كريماً مع المتنبي. ومن أكثر القصائد تميّزاً تلكَ القصيدة العصماء التي كتبها المتنبي بعد انتصار سيف الدولة على الروم في معركة ثغر الحدث سنة ثلاث وأربعين وثلاثمئة من الهجرة. وقد بدأت العلاقة بين سيف الدولة والمتنبي تضطرب بسبب الحسّاد الذين كانوا يحاولون الإفساد بينهما، فعاتبَ المتنبي سيف الدولة لاستماعه لتلكَ المكائد، وكتب يعاتبه ببعض الأبيات، فردّ عليه سيف الدولة بأبيات توحي بعدم رضاه، واستمرت المعاتبة الشعرية بينهما حتى قذفه سيف الدولة بمحبرة في وجهه في أحد المجالس.[٦]

أبو الطيب المتنبي وكافور


 انتقل أبو الطيب المتنبي إلى مصر، وكان كافور أحد سلاطينها؛ يقال إنّه كانَ عبداً لكنه بذكائه وفطنته وشجاعته استطاع أن يصبح أحد السلاطين. أغدقَ كافور على المتنبي الدراهم وأهتمّ فيه أشد الاهتمام، فكتب فيه المتنبي بعض قصائد المديح. ولم يرَ المتنبي الكثير من الخير من السلطان كافور، وقد كان يعيش في ضيق منه بعدما ضيّق عليه في مصر، فهجاه بأقبح الهجاء. وبعد أن أحس المتنبي بالغربة في مصرَ، قرر الرحيل عنها سنة ثلاثمئة وخمسين للهجرة قاصداً مدينة الكوفة في العراق.[٧]

مقتل أبي الطيب المتنبي 


اختلفت الروايات المذكورة في مقتل المتنبي، إلّا أنّ المؤرخين اجتمعوا على قصة واحدة، وهي أن المتنبي كان قد كتب قصيدة يهجو فيها ابن أخت فاتك الأسدي وهو ضبة بن يزيد العتبي، والذي كان غدّاراً وبذيء اللسان، ويؤذي الناسَ بكلامه، فلجأ الناس إلى أبي الطيب المتنبي ليكتب فيه قصيدة هجاء، فهجاه المتنبي وكتبَ فيه قصيدة كانت تحتوي أقبحَ كلمات الهجاء. وعند خروجه قاصداً بغداد لقيه صديق له وأخبره بنية فاتك الأسدي بأن يؤذيه، وأنّ عليه أن يصطحب معه من يحميه، لكنّ المتنبي رفض ذلك ولم يكن معه سوى غلمانه، فلقيهم فاتك وأصحابه وأرادوا قتاله، فهمّ المتنبي بالهروب، لكنّ أحد غلمانه قال له: أولست من قال: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم. فهزمت المتنبي كلماته وذهب للقتال على مضض، وقتل في تلكَ الموقعة على طريق بغداد قريباً من دير العاقول هو وغلمانه.[٨]

عوامل أثرت في شعر المتنبي 


تأثر شعر المتنبي بالعديد من العوامل منها:[٩]
  •  الروافد الثقافية: ظهر المتنبي في عهد الخلافة العباسية، حيث كانت الدولة تعاني الكثير من الضعف والهوان، فكان المتنبي يرثي الدولة ويحاول إيقاظها بأشعاره، وكان هناك السلاطين والأمراء الذي انكب المتنبي على مديح بعضهم كسيف الدولة الحمداني. 
  • الإحاطة باللغة والأدب: فقد كان المتنبي يحبّ التعلم ويسعى للحصول عليه، وقد اكتسب القوة في اللغة والبلاغة من الفترة التي قضاها في البادية. ا
  • لمجالس الأدبيّة: كان الكثير من السلاطين في تلك الفترة يهمتون بالشعر والأدب وينظمون مجالسَ أدبيّة يحلم كل شاعر أن يكون جزءاً منها، لكنّ الوصول إليها لم يكن سهلاً، ولأنّ المتنبي كان على علاقة حسنة مع السلاطين، فقد كان يشارك هذه المجالسَ عند إقامتها.

المراجع



  1. ↑ الدكتور عبدالوهاب عزام (2013)، ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام ، القاهرة: شركة نوابغ الفكر، صفحة 31،39،43،44. 
  2. ↑ طه حسين (1937)، مع المتنبي، مصر: دار المعارف، صفحة 35،36. 
  3. ↑ أحمد سعيد بغدادي (1932 )، أمثال المتنبي وحياته بين الأمل والألم ، القاهرة: مطبعة الحجازي، صفحة 7. ^ أ ب Josef W. Meri, Jere L. Bacharach (2006)، Medieval Islamic Civilization , London: taylor and francis group, Page 542. 
  4. ↑ طه حسين (1937), مع المتنبي, مصر: دار المعارف , Page 57. 
  5. ↑ جمال حامد (2008), سلسلة شعراء قتلتهم الكلمات, القاهرة: غراب للطباعة والنشر, Page 44-51. 
  6. ↑ جمال حامد (2008), سلسلة شعراء قتلتهم الكلمات, القاهرة : غراب للطباعة والنشر, Page 56،69. 
  7. ↑ جمال حامد (2008), سلسلة شعراء قتلتهم الكلمات, القاهرة : غراب للطباعة والنشر, Page 98-100.
  8.  ↑ منير سلطان (1996 ), البديع في شعر المتنبي , الاسكندرية: منشأة المعارف , Page 19-24.